صانع المحتوى ليس مجرد كاتب، وإن كنت قد اخترت صناعة المحتوى كمهنة لك، إليك السر الخطير..
إن الاختيار الجيد للمصادر التي تبحث فيها، وطريقة تحليلك للمعلومات التي تحصل عليها هما سرك الخفي وراء التميز في صناعة المحتوى.
لأنه من هُنا تظهر قدراتك على إبراز أفكارك وقولبتها في أي شكل من أشكال محتوى المتعارف عليه.
تخيّل أن لديك طبقًا من سلطة الفواكة اللذيذة، الحامضة و الحلوة. كل نوع منهم يمثل المدخلات وبالمضغ والهضم تعالج ما تأكله، والفيتامينات والمعادن هو ما تحصل عليه كمخرجات لعملية الهضم تلك.
وللحصول على جسم صحي، تأكل الطعام الصحي. دعني عزيزي صانع المحتوى أشاركك تساؤلي. كيف لمهنة صناعة المحتوى أن تؤثر عليك من الجانب النفسي؟
محتويات المقال
كيف يتعامل صانع المحتوى مع المدخلات؟
دعني أعرفك بمعنى المدخلات ابتداءً..
المدخلات: هي كل ما تتعرض له خلال حياتك اليومية من معلومات متنوعة منذ لحظة استيقاظك وحتى النوم. وكل ما يشكل ثقافة المرء فهو نوع من أنواع المدخلات، فما تراه وتسمعه وتقرأه وتتعلمه من خبرات حياتية أو في المدرسة والجامعة وخلافه، هو مؤثر قوي في بناء شخصيتك.
ولكن ككاتب محتوى لا ينبغي أن تتوقف عند ذلك الخط الذي يفصل بينك وبين عموم الناس، فيجب عليك اختبار كل ما تعلمته بالتجارب والبحث، فكاتب المحتوى هو طالبٌ للعلم حتى نهاية عمره، وكذلك يجب أن يكون الإنسان.
توقف عند كل ما حولك.. حلل واستوعب ذلك جيدًا، وابحث في الماضي فمَن لا يعرف كيف كان ماضيه لا يدري كيف يعيش حاضره ولا يبني مستقبله.
وإنه لمن الطبيعي ألّا نتوقف عند كل محتوى وتحويله لجزيئات صغيرة، إلا أن صانع المحتوى المتميز يجب أن يختار ما يتوقف عليه، ويحلله وينتفع به.
كيف تؤثر الكلمة على صناعة المحتوى؟
للكلمة تأثير قوي، وللتكرار التأثير الأقوى، وكذلك لصانع المحتوى سُلطة على الجماهير بكلمته، وبالكلمة أيضًا تقع على عاتقه مسئولية اختيار الكلمات المناسبة، لتحقيق الهدف المقصود، وإشباعًا لرغبات صانع المحتوى ذاته.
قال عبدالرحمن الشرقاوي:
” إن الكلمة مسئولية..”
إنّ مِن أحداث التاريخ ما يؤيد ذلك الكلام بالأدلة، وعلى سبيل المثال، حين تمّ تحويل رواية “العرّاب” للروائي الإيطالي “ماريو بازو” لفيلم يتم عرضه في سينما الولايات المتحدة الأمريكية، تم شطب كلمة “العصابة” في السيناريو واستبدالها بكلمة “العائلة”، مما كان له الأثر العميق في تحويل صورة رجل المافيا من رجل مجرم، إلى رجل مهم و”جدع” كما يقولون في قلوب الشعب الأمريكيّ..
وكذلك أنتَ كـصانع المحتوى تستطيع صنع “الشربات من الفسيخ”
كما يقول المثل المِصري. وأقترح عليكَ سلسلة أفلام وثائقية تتحدث عن حركة التسويق باستخدام علم النفس للتأثير في الجماهير، اضغط هنا.
كيف لصانع المُحتوى أن يُصبح متوازنًا نفسيًا في ظل ضغوط العمل؟
هل فكّرت مِن قبل في الضغوط التي يتعرض لها بائع البطاطا على كورنيش النيل وأنت تقضي وقتًا لطيفًا مع بعض أصدقائك؟
رُبّما لم تفكّر، ولكن بالطبع أنت تعيش ضغوط مهنتك بشكل يومي، فهل يفكّر بها بائع البطاطا، ويشعر بها مِثلك؟ بالطبع لا.
لكل مهنة في العالم تأثير قوي على من يعملون بها، ومع زيادة سنوات الخبرة تتشكّل شخصية الإنسان.
دعني أوضح لكَ الأمر بالأمثلة؛ ترى لو طلب منك شخص ما كتابة محتوى، فتبحث وتقرأ كثيرًا وتجمع التفاصيل، هكذا تكون تصرفاتك في الحياة الشخصية أيضًا، فتبحث وتدقق في كل الحقائق المرتبطة بذلك الموضوع قبل اتخاذ قرارات شخصيّة حتى!
ولكن ذلك جانبٌ إيجابي، تعالَ معي لنرى بعض المشاكل التي قد تواجهك كصانع محتوى أثناء عملك.
لنبدأ بالكابوس الأعظم ألا وهو، متلازمة الصفحة البيضاء أو بالإنجليزية Writer’s block.
أسمعك تقول بصوت عالٍ ومَن لم يُصب بشلل الكتابة؟
وغيرها من المشاكل الأخرى التي سنتناولها، كالقلق والاكتئاب وغيره..
إنني هنا أوجز لك بعض النقاط المهمة التي قد تساعدك حين تتعرض لتلك المواقف..
ما هي المشاكل التي يواجهها صانع المحتوى؟
١- متلازمة الصفحة البيضاء أو ما يطلقون عليه بالإنجليزية Writer’s Block.
دائمًا ما أتعرض للحظات إلهام شديد، وقفلة شديدة أيضًا، وهذه هي طبيعة الحياة، لا يمكن أن تستمر بحال، لذا من الأفضل أن نستفيد بالحد الأقصى مِن كل شيء، سأقترح عليك ثلاثة حلول مجرّبة وعملية جدًا لتلك المشكلة بالذات!
١- تحدّث مع زميل لكَ في مهنتك عن الموضوع بشكل عام، وستجد أن الأفكار والمعلومات ستتضح لك وسط الحديث، فاستغل الفرصة وسجّل كل ما تقوله لحظة بلحظة.
٢- احتفظ بدفتر أفكار معك أينما كنت، منذ سنوات اقترح عليّ بعض الأصدقاء أن أسير ومعي دفتر، أسجّل به كل شيء يرد بخاطري، مهما كان صغيرًا لا قيمة له حالًا، ومع الوقت أصبحت أفتح ذلك الدفتر وأدهش! كمَن عثر على “كنز علي بابا”، لا يخذلني دفتري حين ألجأ إليه.
٣- اقرأ مرة أخرى بتأنٍ وتمعّن، وانقل الفقرات المميزة في الموضوع الذي تعمل عليه في مشروعك ، وابدأ في محاكاتها، وحينها سترى قلمك يجري على الورق بدون وعي منك، استغل الفرصة ولكن، اترك المقال “يتخمّر” الوقت الكافي ومِن ثمّ راجعه مرةً أخرى.
٢- الضغوط النفسيّة لمهنة صناعة المحتوى.
ما مدى الضغط الذي تسببه لك كلمة “Deadline”؟
موعد التسليم هو شيء مؤرّق، خاصةً للمبتدئين في أي مجال،
الضغط الناتج عن الخوف من الفشل،
الرهبة من خسارة المشروع،
أو صناعة محتوى ليس مثاليًا!”
ومِن هنا، تستنتج أن هناك عاملان أساسيان مسببان للضغط النفسي.
عوامل خارجية “كـبيئة العمل مثلًا” وعوامل داخلية “كـالخوف من الفشل”،
كيف نتعامل مع ذلك الضغط؟
١- اكتب من أجل المتعة! اكتب لنفسك! وكأن لا أحد يراقبك أو ينتظرك.. هذه جملة مؤقتة هه! 😂
نخبر أنفسنا بها لكي يزول الشعور المؤقت وتبدأ بالكتابة.
٢- ركّز على الحلول في الأمور التي تملك أنت زمامها، بينما الأمور الخارجة عن سيطرتك حاول التأقلم معها..
إنها أثمن نصيحة أقدّمها لك على الإطلاق، فقد كلفتني سنوات من حياتي حتى أكتبها لك في النور!
٣- الأفكار تأتي في وقت الراحة، لا العمل! وهنا أرشّح لك مقال عن كيفية الاستفادة من أوقات الراحة، تجده هنا.
٣- الغرق الإدراكي لصانع المحتوى.
لا تكُن مِثل صديقي أحمد! فقد كان ينتظر ليلة وقفة عيد الفطر ليبدأ بالتهام الأخضر واليابس، حتى ينتهي به الأمر بتخمة وكسل وبلادة في التفكير، كذلك عقلك إن مجرد تغذيته بالمعلومات المتنوعة طوال الوقت دون تفريغ لها، تتراكم بداخله المشاعر والأفكار وتؤدي لغَرق في مستوى إدراكك اليومي، بمعنى أن استيعابك للمعلومات يصبح أبطأ وأكثر صعوبة.
ما علاقة ذلك بصناعة المحتوى؟ وما معنى الغرق الإدراكي؟
تخيّل معي صاحبين، أحدهما يصحو من نومه لا يفعل شيء سوى تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي واحد يتبع الآخر حتى ينتهي به يومه إلى النوم مرة أخرى. بينما الآخر يقتصد في التعرّض لكمية المدخلات من مواقع التواصل الاجتماعي وغيره.. ويمنح نفسه وقتًا قبل الانخراط في العمل أو النوم، ليفكر.. فقط ليفكر ويراجع ما حصد اليوم من أفكار وإنجازات ومشاعر وغيرها.. الأول هنا يعاني من الغرق الإدراكي، بينما الأخير يحمي نفسه منه.
ما الحل إذن؟
يجب عليك أن تمنع ذلك الشبح الذي يسحب بساط الوقت من تحت قدميك، حين تنشغل بالتفكير في مرحلة البحث والقراءة قبل البدء في كتابة المحتوى، وتسجّل ما استنتجته، ثمّ ما إن انتهيت من الكتابة عاودت البحث مرة أخرى وهكذا..
من أفضل الأدوات التي تساعدك في التخلص من تلك المشكلة هي مؤقت بومودورو، جرّبها الآن ولا تتردد!من هنا.
العمل بداخل مجموعة خلال البحث والتفكير وكتابة العناصر الأولية أيضًا قد يساعد في تنظيم الأمر بعض الشيء.
٤- التوتر والقلق والاكتئاب.
من أهم الأشياء التي يجب أن تنتبه لها كصانع محتوى ألّا تقع في فخ مثلث برامودا ذلك!
ولكن كيف سيحدث ذلك من الأساس لنا؟
كيف سيصيبك بالاكتئاب من مجرد وظيفة نعمل بها؟ سأوضح لكَ الأمر لا تتعجّل.
كم عدد الساعات التي نقضيها في البحث والقراءة ومشاهدة المحتوى الذي يساعدك للوصول لمرحلة الكتابة من الأساس؟
بالأحرى إنّ أعمارنا تضيع ونحن أسرى لدى هواتفنا وحواسبنا المحمولة!
كيف لذلك ألّا يؤثر على طبيعة جسدنا البيولوجية؟ من المستحيل!
لذلك سأقترح عليك بعض الأفكار حتى تخفف من حدّة الأعراض المتوقع الشعور بها مع مرور الوقت..
إنّهُ وقت التعب! نعم لقد قرأت الجملة صحيحة.
تقول الجدّات للأطفال: “الحركة بركة”
وإذا بحثت عن مزايا وفوائد الحركة، تجد فيها من الخير الكثير.
إن الحركة بشكل يومي تؤدي لارتفاع مستوى الأندروفين والدوبامين والسيروتونين وهؤلاء الثلاثة هم أساس العقل الصافي والانشراح والبهجة وتحسين المزاج بشكل عام، مما يؤثر على أفكارنا والمحتوى الذي نقدمه.
غير أن هرمون الكورتيزول يضبط أداؤه بممارسة الرياضة مما يساعد على النوم الجيد وتقليل التوتر والاسترخاء.
أحيانًا يحتاج الإنسان لبذل بعض المجهود لكي يصبح في حالة أفضل، لا مشكلة إذن تحرك من على الكرسيّ، خطوة نحو الأمام ارتدي ملابس مريحة وانزل من منزلك واستنشق بعض الهواء. هناك بعض الوقت الإضافي؟ لا بأس بالذهاب إلى النادي صباحًا للتمشية، أو لصالة الرياضة “Gym” لمدة خمس وأربعون دقيقة تقريبًا، لا تريد النزول من المنزل؟ لا بأس إذن ما رأيك ببعض اليوجا.. ممتع أليس كذلك؟
مارس هوايات باستمرار!
إن خلق نشاط آخر بعيد عن العمل وتفاعلات اجتماعية مختلفة عن العلاقات الاحترافية في عملك، تجعلك أكثر إنتاجية، لأنك تتعامل مع بشر مختلفين طوال الوقت، وبطرق مختلفة.
ابحث عن شيء ممتع تفعله وحدك، أو مع مجموعة أصدقاء.
- كالرسم
- أو حتى الحياكة
- والتطريز..
سوف تلاحظ الفرق في تقدّمك الوظيفي!
بعد الحصول على الاتّزان والمرونة النفسية، هيّا بنا لتعلّم بعض الأساسيات في صناعة المحتوى.
أدوات صانع المحتوى الأساسية:
صناعة المحتوى هي مهنة قائمة على عدة مهام، ولإتمام هذه المهام يجب على صانع المحتوى استخدام عدّة أدوات باستمرار.
الفضول والشغف للتجربة:
إنّ الفضول هو العامل الأساسي الذي يساهم في نجاح الإنسان، مثال على ذلك الجملة المشهورة لـ آينشتاين:
“أنا لا أملك سِوَى فضولي، فليس لديّ أي موهبة خاصّة”.
لأنّه بفضوله وتساؤله المستمر وصَل إلى أجوبة جديدة عن العالم!
ومثالًا على ذلك سقراط أيضًا، كان يطرح الأسئلة بشكل مستمر، كذلك يجب على صانع المحتوى أن يتحلّى بالشجاعة والإقدام على التساؤل والتجربة، لينتقل بنا ذلك الشغف إلى الأداة الثانية.
الصبر على البحث والدراسة بعمق:
الصبر يذلّل لكَ الأفكار الإبداعية، فبدون الصبر لن تستطيع إتمام البحث بشكل عميق عن كل ما يخص الموضوع الذي تصنع عنه المحتوى!
تذّكر دائمًا أننا ما كنا لنصل لكل ذلك التقدم التكنولوجي لولا صبر المخترعين والمكتشفين على الفشل مرات متعددة، وعدم فقدان الأمل والمحاولة من جديد.
فيجب على صانع المحتوى أن يتحلّى بتقبّل الآراء المتنوعة المتعلقة بالموضوع الذي يتناوله في المحتوى الذي يقدمه، وبالنظرة النقدية التي توسّع آفاقك، في ظل التوسع التجاري والعولمة، والصبر على البحث في ذلك العصر الطائر!
الفكر وبلورة الموضوع:
من الضروري الاهتمام بالتفاصيل والتقاط ما يخدم المحتوى الذي تقدّمه، وإعادة صياغة الأفكار بشكل محترف، يمكنك معرفة المزيد من التفاصيل عن كيفية صناعة محتوى مذهل من أفكار قديمة! في كتاب “Steal like an artist” أو “اسرق مثل فنان” حمّلهُ الآن من هنا.
كيف تحصل على محتوى جودته عالية؟
١- ادرس الموضوع بعناية وبكل تفاصيله.
البحث والقراءة من أهم أدوات صانع المحتوى للوصول إلى الأفكار التي يستطيع عرضها بطريقته الخاصة على القرّاء المهتمين بالموضوع، فلا تهمل تلك الأداة المهمة حتى تستطيع الاستمرار في تلك المهنة.
٢- لماذا ستقدم محتوى؟
اسأل نفسك كل مرة تكتب، لماذا أكتب؟ وما هو هدفي من تقديم ذلك الموضوع للجمهور؟ واعلم دائمًا أن:
الكتابة بلا هدف، لا قيمة لها.
٣- من جمهورك المستهدف؟
اعرف كيف تتواصل مع جمهورك.
ما هي اهتماماتهم؟ ومخاوفهم؟ تعمّق في كل تفاصيلهم، تكلّم كأنك منهم لتصل إلى قلوبهم سريعًا.
٤- لا تنسَ الاسترشاد بالاستراتيجية.
إنه من المهم جدًا ألّا ننسى ما نسعى له، وما هي وجهتنا مع ازدحام الأفكار والمصادر أثناء عملية البحث.
فالاستراتيجية تعتبر المرشد لكَ والدليل حين تتوه بك السبل، فلا تنسى الاطّلاع عليها من حين لآخر.
وأخيرًا.. عزيزي صانع المحتوى كن كالماء..!
في أحد لقاءاته الشهيرة، قال بروسلي
“كن بلا شكل، ولا قالب، تماماً كالماء. كن كالماء يشقّ طريقه بين الشقوق، لا تكن عنيدًا ولكن تكيّف مع الموضوع. إذا وضعت ماءً في كوب، فإنه يصبح الكوب، وإذا وضعت الماء في زجاجة يتخذ شكل الزجاجة. الماء يمكنه أن يتدفّق، أو أن يتحطّم، فكن كالماء، يا صديقي”.
ولكن كيف لصانع المحتوى أن يكون كالماء؟
تسرّب من بين كل المحتوى الموجود بالفعل وخذ منه ما ينفعك، واهمل ما يضرك، لا تركز إلّا على ما يجعل المحتوى الذي تصنعه ذو قيمة، كن متجددًا لا تجعل الركود يميتك!
استقبل، تفادى، استوعب.
والآن أخبرني، ما هي نصيحتك لصنّاع المحتوى التي تودّ مشاركتها معي؟