اليوم العالمي للغة العربية – بلسانٍ عربي مبين

وقت القراءة: 5 دقائق

في اليوم العالمي للغة العربية، تخيل معي أن تستيقظ يوماً لتجد نفسك فاقداً لذاكرتك!

نسيت كل شيء تعرفه عن حياتك وذكرياتك، لكن حين تحدثت وجدت أنك مازلت تدرك لغتك! والمفردات حاضرة في ذهنك، وتكتب لتجد أنك مازلت تعرف أنك عربي وأن لغتك هي اللغة العربية.

فأنت لم تنسْ هويتك بالكامل! وتحاول استدراك معرفتك عن نفسك من خلال لغتك

تخيل أن ذاكرتك مازالت تحتفظ ب12 مليون كلمة! وهو عدد كلمات اللغة العربية، التي تتيح لك المساحة للتعبير والصياغة بمفردات لاحصر لها

ياتُرى ما الذي حمى لغتك من الريح العاتية للنسيان التي عصفت بذاكرتك؟

حين تفقد ذاكرتك جراء حادث، تتأثر الذاكرة التقريرية المسؤولة عن الحقائق والمعلومات الشخصية دون أن تتأثر الذاكرة المهارية المسؤولة عن اللغة والمهارات الأخرى كالقراءة والكتابة والقيادة.

وما يربط اللغة في ذاكرتك ويعززها هو أنه يتم ممارستها لسنوات طويلة، وإرتباطها بالمواقف والذكريات منذ الطفولة، وهذا مايجعل اللغات التي اكتسبتها عُرضة للتأثر أكثر من لغتك الأم.

وهذا يجعلنا نتأمل في مدى تمسك الذاكرة بما اعتادت عليه، وما يعرّفه الإنسان عن نفسه بأنه هويته، فإذا كانت اللغة هي جزء من هوية الفرد، كيف يمكنه أن يقف مقاوماّ حتى لاتُنسى لغته؟ ومحاولاّ حمايتها من النسيان بالتذكر.

يأتي اليوم العالمي للغة العربية على سبيل التذكير والإحتفاء بمدى جمالية هذه اللغة وأهميتها، فيعيد لذواكرنا جميعاً الإدراك بمدى روعة لساننا العربي، محاولين من خلاله إبقاء اللغة حيّة.

اليوم العالمي للغة العربية لإبقائها حية في ذهن العالم

اليوم العالمي للغة العربية لإبقائها حيّة في ذهن العالم

يحتفي العالم بلغة الوحي ومصدر الإلهام اللغة العربية في 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام باعتبارها أحد أهم أركان التنوع الثقافي للبشرية، ولغة الحضارة العربية الإسلامية، ولغة العلوم والمعرفة والآداب.

وقد تم اختيار هذا التاريخ لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة،

وبدأ الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية بشكل رسمي في 2012، وشارك الجميع على حساباتهم الشخصية مُعبرين بطرقهم الخاصة عن عظمة لغة الضاد إما بأبيات شعرية أو مفردات لغوية فتانة أو آيات قرآنية عظيمة.

كل من شارك حتى ولو بكلمة نراه ينبري دفاعاً عن لغته، آخذاً موقف الدفاع عن هويته فهو يحمي بهذا ذاته من التّفرق والضياع ويأصل وجوده في ذهن العالم، فالهوية نتاج المعاني التي ينصّبها الأفراد عبر اللغة، فاللغة أبرز ملامح هويتهم ومعالم انتمائهم.

وما يجعل مجتمعك يتفرد بهويته الخاصة عزيزي القارئ، هي تفاعلات الخطابات اللغوية المتأثرة بالمتغيرات التاريخية في مجتمعك،

فيخلق لهذا المجتمع طابع خاص، ويشرح مدى تفرد فكره ولسانه، وبهذا تتشكل هويته، ومتى وقفت مدافعاً عن لغتك وهويتك مقاوماً انحلالها كان وجودك أعمق، فالمقاومة وجود، وعليك أن تنمي أسلحتك للدفاع عن لغتك بصرامة وبَسالة.

ولكن لماذا يجب على الإنسان العربي الدفاع عن لغته؟

وفي وجه من؟ كيف نحدد وجه العدو ونعرف كيف نتصدى له؟

«ويجمعنا إذا اختلفت بلادٌ، بيانٌ غير مختلفٍ ونُطقُ» 

أحمد شوقي

كيف يبدل الاستعمار الحديث لغتك؟

كيف يبدل الاستعمار الحديث لغتك؟

بالرغم من أن زمن الاستعمار قد انتهى، إلا أنه تطور في شكله واستبدل أسلحته وخفف من وطأة عنفه حتى بدأ ناعماً ينساب بخفة لا تكاد تستشعرها المجتمعات.

أن الاستعمار اللغوي والثقافي اليوم أخطر ما يهدد الأمم في هويتها، فالهدف الأول للمستعمر هو اللغة، وأن يجعلها تنقرض ليحل محلها لغته،

فيسهل أن تتحكم بعقول الشعوب حين تسلبهم لغتهم التي هي سلاح ومقاومة، فتفرض اليوم الثقافة الأقوى هيمنتها وتستمد نفوذها من هوان العقلية التبعية وسهولة سلبها موروثها الثقافي واستبداله بدءاً باللغة.

فحين نشعر أن كلمة «Toxic» لوصف سُمّية شخص ما ستجعله ساماً أكثر من لو قلنا عنه شخصاً ساماً أو سيئاً!

أو إذا قلنا «Red flags» تعبيراً عن مؤشرات الخطر التي تلوح في آفاق سماءات العلاقة الجديدة بشخصٍ ما،

سيبدو أن معاجمنا اللغوية اسُتعمرت بمفردات دخيلة لم نحاول حتى أن نبحث لها عن بديل حتى لا يقال عنا أننا متأخرين عن الركب! فبهذا الاستهوان تتبدل ألسنتنا وتتشكل معتقداتنا…

فيجب علينا أن نكون واعيين لسياسات الاستعمار اللغوي، فالوعي يجعلنا ندرك الإشكال فنحله…

فهل تصمد لغتك أمام هذا التغريب؟ وكيف يمكنك أن تحمي معجمك اللغوي من المصطلحات الدخيلة؟

كيف تجعل لسانك عربياً مبين؟ في اليوم العالمي للغة العربية

كيف تجعل لسانك عربياً مبيناً؟

اللغة في معناها العميق ليست مجرد مفردات وقواعد بل ممارسات يومية يعيشها الإنسان، فيها يفكر وبها يعبر عن ذاته، فإن صحت صح تعبيره عن نفسه،

وتجلت صورته بمنطوق بليغ يبسط تعقيداتها الإنسانية ويمد سماوات التواصل الإنساني بالفهم، فبهذا تستمر الحضارات الإنسانية وبهذا تزول،

فهوان الأمة من هوان لغتها، وحتى تصمد لغتك في وجه النسيان والتغريب على لسانك أن تفصح.

استدراك المعاني من معجمك اللغوي الأصيل يجعل لغتك فريدة أصيلة تنساب بفصاحة اللسان وبلاغة المعنى وعذوبة المفردة، فتتجلى بفرادة وعيك وبراعة قدرتك على التعبير، فاللغة مكون وجودي،

ولغتك هي جسر عبور لأذهان الآخرين واستمالة خواطرهم، واتساعك في مساحات فهمهم، فتترقب الأسماع حديثك المنتظر،

ولكي يصبح حديثك مؤثر وأفكارك جلية عليك أن تعزز من ثراء معجمك اللغوي حتى تكتسب طلاقة لغوية فريدة.

كيف لذلك أن يتحقق؟

بقراءة أعظم مرجع لغوي على وجه الأرض

القرآن الكريم

 

الأثر اللغوي للقرآن، اليوم العالمي للغة العربية

الأثر اللغوي للقرآن في اليوم العالمي للغة العربية

إن أساس هويتنا هو لغتنا العربية التي نزل بها القرآن فأثراها و عمقها، وأعلى من شأنها، فكان بذلك إعجازه اللغوي سحرٌ مبين، ومعجزات القرآن كثيرة بدءاً بطريقة نزوله وسبب نزوله حاملاً روعة معانيه،

فقد أختار الله تعالى لكتابه أفصح اللغات، فأنزلها على قوم أولي بأس لغوي و بياني شديد، ليخاطبهم بما يناسبهم و يبرعون فيه، فحين وصف الوليد ابن المغيرة القرآن بأنه «سحر يؤثر» كان يؤكد أن القرآن أعلى وأسمى من أي قدرة بشرية.

«وَسِعْتُ كتاب الله لفظـًا وغايـة وما ضِقْتُ عن آي به وعظات»
حافظ إبراهيم

فهو كتاب يعتمد على الكلمة، ويعنى ببلاغة اللفظة، ويقوم على الحجة والبيان، وينمي لديك القدرات الذهنية،

لأنه يسمح لمخيلتك أن تفتح أبوابها ليتسع الخيال

ويتجلى فيه أعظم الصور، فيصور الحياة الإنسانية بجميع مراحلها و النفس البشرية بصراعاتها المعقدة، بأسلوب قصصي بديع.

يمكنك أن تقرأ أكثر عن جمالية التصوير الفني في القرآن هنا

لقد أثرى القرآن الكريم اللغة بالعديد من الجوانب، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

  • تدوين النص القرآني أدى لإصلاح الكتابة العربية وإضافة التنقيط لها.
  • كتب تفسير القرآن تحولت فيما بعد مع التعمق لكتب نحو وقواميس.
  • تدوين الشعر العربي القديم لأهميته في شرح مفردات القرآن.
  • ضرورة القراءة الصحيحة للقرآن أدت لظهور العلوم الصوتية والصرفية.
  • الإعجاز القرآني أدى لظهور العلوم البلاغية.

نلاحظ أن جميع تطورات اللغة مرتبطة بشكل مباشر بكتابه الكريم عز وجل، وكيف أن القرآن أثرى اللغة وطورها وعزز وجودها.

ما الذي تكتسبه لغوياً من القرآن؟

ما الذي تكتسبه لغوياً من القرآن؟

علينا أن نفهم ونتعمق كيف يترك القرآن الكريم أثره علينا، وهذا الفهم يأتي من «التدبر» فنتأمل ونتفكر بالمعاني والآثار والألفاظ، فقدرة اللفظة البليغة إذا فهمتها ستزيد من مهاراتك وقدراتك العقلية.

1- الطلاقة اللغوية:

هل لاحظت أن السمة المشتركة لطلاب تحفيظ القرآن، ومن يدرسه أكثر من غيره هي الطلاقة اللغوية!

الممارسة اللغوية لقراءة القرآن تجعل اللسان فصيح ومنطلق، ولأن نطق الآيات يدرب عضلات النطق على إخراج الأحرف بشكل سليم.

يقول أحد مدربي الأداء الصوتي بأن العديد من المتدربين النصرانيين يتعلمون القرآن ويداومون على تلاوته لأن ذلك يمكنهم أكثر من الإحتراف في مجالهم،

كما أن العديد من المغنيين مثل أم كلثوم التي كانت قارئة قبل أن تصبح مغنية وكذلك صباح فخري ومحمد عبدالوهاب، لأن ذلك يزيد من قدرة أدائهم الصوتي ويمنحهم المرونة، وبذلك برزوا في مجالهم الفني.

2- المهارات والقدرات العقلية:

أنه يصل أثر فهم القرآن الكريم لما هو أبعد من اللغة بحد ذاتها، وعلماء اللغة يؤكدون أن اللغة العربية تدفع الدماغ للعمل بتركيز وجدية أكثر لأنها تحفز الإنسان على استخدامه لدماغه بالكامل على عكس كثير من اللغات الأخرى،

وأكد المركز الوطني للقياس في السعودية في عام 2015 بأن درجات طلاب وطالبات مدارس تحفيظ القرآن تتصدر نتائج إختبار القدرات العامة وذلك يعود لمخزونهم اللغوي ونمط الفهم والتعلم المكتسبة من دراسة القرآن الكريم.

وذكرت دراسة للدكتور إسماعيل عبد الكافي إن حفظ القرآن وتدبر معانيه ينمي الذكاء عن الطفل، ويجعله سابق لأقرانه، هذا كان عن الذكاء المنطقي والعلمي، المبهر أيضاً وجود دراسات أثبتت تميز دارسي القرآن عن غيرهم بمعدلات ذكاء انفعالي واجتماعي مرتفعة!

وكلما زاد تفكر الإنسان بالقرآن زاد اكتسابه للكثير من المهارات والأساليب التي توسع إدراكه مثل:

  • التفكير النقدي
  • التفكير الإبداعي
  • حل المشكلات

من خلال الاطلاع على تجارب أشخاص وأقوام سابقة، تتجسد القيمة اللغوية هنا أن بلاغة الوصف تمنح العقل مجال أوسع للتفكير والتأمل بالمعاني، وتمرن العقل على مستويات تفكير عميقة.

3- مهارات التواصل:

تأمل معي في خطاب الله مع الشعراء وأهل اللغة حين حاجهم بما يتقنونه، و أنزل عليهم كتابه بلغة يعجزون عنها لإثبات عظمته عز وجل،

فتتجلى هنا أساليب فن إقناع الآخرين، فالخطاب الإقناعي بالقرآن يمنحنا أمثلة عظيمة لنقتدي بها، فكل أسلوب خطابي تميز بملائمته للمُخاطب وإستخدام الحجة الأنسب.

وأيضاً في مناقشة الحقائق نجد الأسلوب الاستدلالي، فكل حقيقة يوجد لها دلالة قطعية،

فكان الاستدلال بالمشاهد الكونية المختلفة هو دليل قاطع على وجود الله ووجوب الإيمان به.

وختاماً وبعد أن تأملنا في أثر القرآن العظيم الذي لا نستطيع حصره هنا

يجعلنا نعي بأن ترابط لغتنا بقرآننا يمنحنا دافعية أكثر وسبل ومهارات أقوى للتسلح أمام اللسان الأعجمي،

و الثقافة المستعمرة، إذا ما أستفدنا منها جيداً و استغليناها.

وفي اليوم العالمي للغة العربية

حق أن نقول أن التمسك باللغة وتأصيلها فينا، هو السبيل الأول لحماية هويتنا

والاعتزاز يظهر بهذه الممارسات في تنقيح اللغة من الشوائب وجعلها لغةً عربيةً سليمة، ويجعل لسانك لسانٍ عربي مبين،

و الاحتفاء باللغة العربية، بتأمل روعتها ومدى عظمتها الممتدة من القرآن الكريم، لذلك تحدث وأثر.

و بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، شاركني في التعليقات الكلمة العربية الأقرب لقلبك؟

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد