الترادف في اللغة العربية

ماذا لو: اختفت المترادفات من اللغة العربية؟

وقت القراءة: 4 دقائق

إن اللغة العربية وحدها هي القادرة على الإفصاح الكامل للواقع العربي، فهي لغة تمتد جذورها في الماضي، وتمتد فروعها في المستقبل.

هل تذكر المرة التي لم تجد فيها كلمة تصف شعورك؟

سيكون هذا حالك دائمًا إذا اختفت المترادفات في اللغة العربية ورغم ذلك كثيرًا منا لا يعرف مدى أهمية المترادفات والمتضادات في اللغة العربية، ومدى تأثيرها على فصاحة اللغة العربية.

لذا سنخوض اليوم رحلة شيقة في:

  • عمق المترادفات والمتضادات في اللغة.
  • مدى تأثير المترادفات على فصاحة اللغة العربية.
  • تأثير اللغة العربية على اللغات الأخرى.
  • كيف تستفيد كصانع محتوى عربي من فصاحة اللغة وبلاغتها.

ما هي المترادفات في اللغة العربية؟ وما أهمية الترادف؟

الترادف في اللغة العربية هو: “أن يعبر لفظان أو أكثر عن نفس المعنى كالعطش والظمأ، وهذا رأي جمهور علماء اللغة”

أما البعض الآخر ذهب إلى أنه لا يوجد ترادف لأن الألفاظ تشير إلى درجة متفاوتة من المعنى، كأن نقول أن العشق درجة أعلى من الحب.

سحر الترادف للغة العربية

لسنوات طويلة كان الترادف محط أنظار واختلاف كبير بين علماء اللغة القدامى أمثال سيبويه والجاحظ الذي وضع كتابًا مستقلًا يبحث في الترادف وسماه (الفرق في اللغة)، وكان هدفهم الفصل في أمر الألفاظ التي تستخدم في التعبير عن نفس المعنى.واعتمدوا فيه تقسيم الترادف إلى ترادف تام وشبه تام.

وبعيدًا عن التعريفات والتقسيمات الأكاديمية التي ستجدها في كتب اللغة العربية الشهيرة، الترادف بمثابة آلة سحرية للتعبير الدقيق عما بالوجدان، كأن تقول لأحدهم أنك تشعر بالأسى بدلًا من قول أنك حزين للدلالة على شدة الحزن، وغيرها من الألفاظ التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني التي تُشرح في جُمل وتُنطق في لفظ واحد.

ولكن هذه ليست الميزة الوحيدة للترادف، فلدينا المزيد.

وتلألأت بالضاد تشمخ عـزةً * وتسيل شهداً في فم الأزمان

ما أهمية الترادف كجزء أساسي باللغة العربية؟

  1. تسهيل التواصل بين أبناء اللهجات المختلفة.
  2. تعزيز النصوص الأدبية بالفصاحة والبلاغة.
  3. الحفاظ على تنسيق نظم القوافي الشعرية والنثرية.
  4. دلالة الاسم على صفة صاحبه؛ حيث أن للأسد أكثر من 300 اسم في اللغة العربية يعبر كلًا منها عن صفة من صفاته.
  5. تعزيز صناعة المحتوى العربي.

أهمية الترادف

1- تسهيل التواصل بين اللهجات المختلفة

منذ قديم الأزل وللعرب قبائل متفرقة بلهجات مختلفة، لذا فالترادف وسيلة أساسية لتسهيل التواصل واستبدال اللفظ بمرادف يناسب الطرف الآخر أو سياق الحديث.

2- تعزيز النصوص الأدبية بالفصاحة والبلاغة

حينما أراد الشاعر أحمد شوقي التعبير عن الظلم الواقع على النساء في مصر، استخدم لفظان مترادفان للتوكيد على المعنى، فقال:

ظلم الرجال نساءهم وتعسفوا.. هل للنساء بمصر من أنصار؟

الظلم والتعسف مترادفان يعبران عن درجات مختلفة من الفعل، واستخدامهما للتوكيد على الظلم زاد نص شوقي بلاغة.

3- الحفاظ على تنسيق نظم القوافي الشعرية والنثرية

قال الشاعر أحمد شوقي على لسان كليوباترا في مسرحيته الشعرية (مصرع كليوباترا):

وتبينت أن روما إذا زالت.. عن البحر لم يسد فيه غيري

كنتُ في عاصفٍ سللت شراعي.. منه فانسلت البوارج إثري

حيث استخدم لفظ (إثري) بدلًا من (خلفي) بمعنى أن السفن الحربية كانت تسير ورائها، ورغم أن لفظ (إثري) غير دارج كلفظ (خلفي) إلا أن الشاعر استخدمه للحفاظ على الموسيقى بالأبيات.

4- دلالة الاسم على صفة صاحبه

استخدم الشاعر أحمد محرم اسم (غضنفر) كواحد من أسماء الأسد، والغضنفر تعني ضخم البنية، فقال:

وصنتم مجدكم من كل عاد.. بكل غضنفر يحمي العرينا

والآن بالتأكيد يضيء برأسك سؤال، لماذا ظهر الترادف كواحد من أهم عوامل فصاحة اللغة العربية؟

أسباب تلألأ الترادف في فضاء اللغة العربية

من أسباب ظهور الترادف في اللغة العربية:

  1. استحداث عدة صفات للاسم الواحد، لتصبح تلك الصفات مرادفات للاسم الأصلي.
  2. اختلاف اللهجات أدى إلى تعدد الأسماء للشئ الواحد.
  3. الاستعارة من اللغات الأجنبية نتيجة اتساع رقعة الدولة الإسلامية.
  4. المجاز الشعري، الذي أدى إلى شيوع ألفاظ مرادفة لكلمات في أصل اللغة العربية.
  5. ظهور مترادفات للفظ الواحد في المعاجم المختلفة، لاختلاف قبائل جامعي المعاجم.

لم يكن ظهور الترادف هو سر فصاحة اللغة العربية الوحيد، فالتضاد اللغوي واحد من أهم العوامل أيضًا، هيا بنا لنرى سويًا.

لغة حباها الله حرفًا خالدًا * فتوضعت عبـقًا على الأكوان

أسباب ظهور الترادف

التضاد صديق الترادف في اللغة العربية؟

يقصد بالتضاد اللغوي أن: “تحمل الكلمة اللفظ وعكسه، ولن تستطيع فهم المقصود بها إلا بالمعنى والسياق”.

كلمة الصريم التي تطلق على الليل والنهار، والرجاء للشك واليقين.

ومن أمثلة التضاد اللغوي في الشعر هو إطلاق لفظ الجون للأبيض والأسود في:

“تقول خليلتي لما رأتني شريحًا بين مبيضٍ وجون”

يوجد تضاد لغوي في الكثير من اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية وغيرها، ويعد دليل على فصاحة الكلام، لكنه في اللغة العربية يحتاج لقدر كبير من الفصاحة لاكتشافه.

كيف أثرت (لغة الضاد) اللغة العربية على اللغات الأخرى؟

يرجع سبب تميز اللغة العربية بين اللغات الأخرى في رأيي إلى اختلاف استعمال الألفاظ في اللغة العربية عن اللغات الأخرى، حيث أن المستعمل في اللغة العربية ينقسم إلى نوعان:

  1. مهجور قد يستعمل.
  2. مستعمل قد يُهجر.

حيث أن اللغات الأجنبية لا تحتوي إلا على ألفاظ مستعملة قد تُهجر، فأغلب الألفاظ مهددة بالانقراض أو التعرض للتغيير الصوتي دون وجود ما يعوضهم فيضطروا إلى الاقتباس من اللغات الأخرى.

أما عن لغتنا الأم فنرى أن كثير من الألفاظ القديمة يعاد إحياؤها بتجديد استعمالها، حيث أنها محفوظة في المعاجم القديمة.

وأدى هذا الأمر إلى اهتمام كثير من علماء اللغة الأجانب بشأن اللغة العربية، وخاصة البحث في الترادف والتضاد في اللغة العربية، فنجد أن الباحث الفرنسي إرنست رينان نقل عن أستاذه دو هامر De Hammer أكثر من 5 آلاف لفظ يخص الجمل في اللغة العربية.

وتعد اللغة العربية مصدر رئيسي لمفردات كثير من اللغات كالتركية والفارسية والهندية والبرتغالية والصومالية والاندونيسية، وكذلك الإنجليزية والفرنسية، فمثلًا كلمة (alcohol) وأصلها (الكحول)، و(sugar) المستمدة من (سكر)، وغيرها من الألفاظ التي تناقلت من العربية إلى اللغات الأوروبية.

تأثير اللغة العربية على اللغات الأخرى

4- كيف تغتنم ثروة الترادف في اللغة العربية؟

اللغة العربية غنية ومعطاءة لكل طالب علم، فما بالك بصانعي المحتوى العربي!

إذا كنت واحدًا من صناع المحتوى العربي، لا تتوقف عن:

  1. تعلم اللغة العربية،
  2. النظر في المعاجم،
  3. البحث في الأدب،
  4. القراءة اليومية لاكتساب مفردات جديدة تُثقل من محتواك.

أنصحك بقراءة كتاب وحي القلم لمصطفى صادق الرافعي، حديث الأربعاء، العبرات للمنفلوطي لتحصل على مفردات جديدة وأسلوب شيف للسرد.

الكتابة باللغة العربية ليست مجرد بديلًا مؤقتًا حتى تتعلم المزيد من اللغات، فهي مسؤولية ملقاة على عاتقك، لديك ثروة عظيمة من المفردات والبلاغة والنثر والأدب والتاريخ، وأنت أمام تحدي حقيقي، هل ستتعمق أكثر في بحور اللغة لتقديم محتوى عربي قوي على الإنترنت يمكنه مواكبة التطور الحادث في المحتوى باللغات الأخرى؟ أم ستضيع فرصتك؟

الأمر يتعلق بك.

كيف تغتنم ثروة الترادف في اللغة العربية؟

تعرفت اليوم على:

  1. أثر المترادفات على فصاحة اللغة العربية.
  2. مدى إسهام الترادف في جمال اللغة والأدب، ولماذا ظهر؟
  3. التضاد اللغوي كصديق للترادف.
  4. بما تميزت اللغة العربية على غيرها من اللغات.

وبهذا يمكنك الآن تخيل حال اللغة العربية بدون الترادف، بل وحال كاتب المحتوى العربي، بالتأكيد كنا سنخسر سلاح قوي من أسلحة صانع المحتوى.

هذه كانت هديتي لك في اليوم العالمي للغة العربية، والآن حان دورك لتخبرنا بالتعليقات كيف ستعزز لغتك العربية؟

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد