كم من كاذب حاول أن يخدعك بأن الإبداع ما هو إلا العشوائية! وأن المبدع حقًا يجب أن يكون فوضويًا لكي يصنع عملًا لا مثيل له، ولكن هيهات هيهات، فكم من مبدع استنزفت موهبته وسط زحام الفوضى في حياته!
وبتصديقك لكذب هذا وادّعاء ذاك، بل والأدهى سيرك على خطاهم، لربما تلقى نفس المصير، فتشعر أن عقلك يفقد قدرته على التفكير، ويصبح قلمك عاجزًا عن التعبير، وفجأة، تستنزف موهبتك أنت الآخر حتى تندثر رويدًا رويدًا…
الإبداع لا يعني الفوضى!
ولأن في رأيي أن الإبداع يجب أن ينظمه بعض من الروتينية، فقد جئت لك عزيزي صانع المحتوى بجزء هام جدًا يجب ألا يتجزأ من روتينك اليومي، ولأن بصرك هو أول ما يقع على الشيء، سأسمي هذا الجزء بالتغذية البصرية، لكنه في أعماقه يحمل معانٍ كثيرة كالتغذية السمعية، والفكرية، والإبداعية أيضًا، لم يتضح لك الأمر بعد؟
دعني أخبرك ما الذي أعنيه…
محتويات المقال
ما هي التغذية البصرية لصانع المحتوى؟
التغذية البصرية هي مصدر هام للإلهام لك ولكل صانع محتوى، وتعني بالمعنى التقليدي:
«أن تغذي عينيك بكل ما يوحي بالإبداع» ولكن ما أعنيه أنا أكثر من مجرد تغذية العين، بل أن تغذي سمعك وبصرك، تغذي فكرك، أن يتشبع عقلك بالأفكار، فتكتشف حدودًا جديدة لقدرته على الإبداع، وتصنع أنت إبداعًا غير محدود.
ولكن هل هذا يعني أن أهمية التغذية البصرية تتمثل في الإلهام فقط؟ بالطبع لا، بل يوجد المزيد…
7 فوائد للتغذية البصرية تجعلك تضمها إلى روتينك اليومي:
1. الإلهام، فالتغذية البصرية تجعل الأفكار تتدفق واحدة تلو الأخرى.
2. سيكون لك مكتبتك الخاصة من الأفكار التي تعود إليها كلما هممت في صناعة قطعة محتوى جديدة (لا تُؤخَذ هذه الأفكار كما هي بالضبط، ولكن بلمستك الخاصة تصنع منها أفكارًا جديدة).
3. تعلم الربط بين المشرق والمغرب، عبر رؤيتك لكم لا يعد ولا يحصى من الأشياء التي لا علاقة بينها ظاهريًا، ولكن صانع محتوى مبدع مثلك يستطيع أن يجد نقطة لربطهما معًا، وبالتالي تزداد مهارة الإبداع لديك.
4. تواكب كل جديد من أفكار في صناعة المحتوى، فالأفكار التي كانت غير مسبوقة بالأمس، أصبحت معادة ومكررة جدًا اليوم.
5. تعلم النظر بمنظور مختلف لمحتواك، ولمحتوى الآخرين أيضًا، فالتغذية البصرية كما قلت سابقًا إنما هي غطاء لتغذية فكرية تحدث ورائها.
6. ينضم لقاموسك حصيلة لغوية ثرية، نظرًا لتعرضك لكم هائل من المحتوى، مرئي كان أو سمعي، فتتسع قدرتك على التعبير، وتنتقي الكلمات المناسبة للوصول بها إلى جمهورك المستهدف.
7. تتمكن من حل الإشكالية الأزلية بين صانع المحتوى والمصمم، وتعطي شريكك المصمم في العمل موجز – Brief واضح وقوي لما تريده في التصميمات فيقوم هو الأخر بصناعة ما يُكمِل ويناسب إبداعك.
كيف أقوم بالتغذية البصرية؟
ولعل يدور في ذهنك الآن سؤال: هل يتم القيام بالتغذية البصرية بمجرد النظر؟
أي أن تقرأ بالعين؟
أو تشاهد التصميمات المتنوعة؟
أو تستمع للبودكاست مثلا؟
وغيرهم من المحتوى المكتوب أو المرئي أو المسموع؟
الإجابة هي نعم ولا في نفس الوقت، دعني أوضح لك…
مما لا شك فيه أنك ستقوم بمطالعة محتوى مكتوب، أيًا كان نوعه كمقال أو كتاب أو غيره، وستقوم أيضًا بالرؤية والاستماع إلى أنواع متعددة من المحتوى المرئي والمسموع كالصور، والفيديوهات، والبودكاست.
ولكن يجب أن تفعل كل ذلك بشخصية صانع المحتوى وليس كشخص عادي، وتحديدًا بالعين التحليلية لصانع المحتوى، لكي تستطيع تحليل كل قطعة محتوى تقابلها أثناء قيامك بعملية التغذية البصرية، فتعرف:
- ما هدفها؟
- وما الرسالة التي صُنعت لإيصالها؟
- ما المراحل التي قد تكون مرت بها في طور تنفيذها لتخرج في النهاية بهذا الشكل الملهم لك ولغيرك من صانعي المحتوى؟
وبالطبع كل هذا ليس فقط في مجال اختصاصك، ولكن في المجالات المختلفة الأخرى.
قد تظن أن هذا سيفقدك متعة الغرق -بشكل لا واعي- في روعة قطعة المحتوى التي أمامك، وبالتالي ستكون عملية روتينية مملة، ولكن على العكس تمامًا!
ستجد في محاولتك لاكتشاف ما وراء الكواليس متعة خاصة قد تفوق متعتك الأولى.
والآن وقد عرفت ماهية التغذية البصرية، وفوائدها، وأيضًا كيف تقوم بها، حان وقت التنفيذ.
ولكن لا تقلق عزيزي صانع المحتوى، لن أتركك تسبح في بحر المصادر وحدك، ولكن سأرشدك إلى بعضها والذي سيكون كافٍ ووافٍ لك في البداية وحتى تتقن السباحة بمفردك.
ما هي التغذية البصرية في التصميم؟
التغذية البصرية في التصميم، أو كما يطلق عليها في اللغة الإنجليزية “Visual Feeding”، هي مصطلح يستخدم لوصف عملية تغذية الإبداع وتنمية الذوق الفني عند المصممين من خلال التعرض المستمر للأعمال الفنية والتصميمات المختلفة. تعتبر هذه العملية مهمة جدًا لأنها تساعد على تطوير العين الفنية وتوسعة أفق الإلهام.
تخيل أنك في مهرجان فني كبير في الرياض، حيث الجداريات الفنية والأعمال الإبداعية تملأ المكان. كل قطعة فنية تراها تعطيك فكرة جديدة، تلهمك بشكل مختلف، تضيف إلى خزانة أفكارك شيئًا جديدًا. هذا بالضبط ما يحدث في التغذية البصرية.
مواقع مثل Behance و Pinterest هي مصادر رائعة للتغذية البصرية. على سبيل المثال، عندما تتصفح بيهانس، ستجد أعمالًا في مجالات مختلفة مثل الجرافيك ديزاين، التصوير الفوتوغرافي، والموشن جرافيك (Motion graphic). كل عمل تشاهده يعتبر بمثابة وجبة غنية لعينيك وعقلك.
أما بالنسبة لموقع بينترست، فهو بمثابة لوحة إلهام لا نهاية لها. هنا، يمكنك أن تجد أفكارًا لتصاميم جديدة، توظيف الألوان بطرق مبتكرة، واكتشاف أحدث الاتجاهات في عالم التصميم.
وتذكر، التغذية البصرية ليست مجرد مشاهدة؛ بل تحليل واستكشاف. عندما ترى تصميمًا يعجبك، حاول أن تفكر في العناصر التي جذبتك إليه. هل هو الخط؟ الألوان؟ التكوين؟ أو ربما طريقة استخدام الصور؟ هذا التحليل يساعدك على تطوير قدرتك على تقييم الأعمال الفنية وتحسين أعمالك الخاصة.
والآن، دعنا نضيف بعض المتعة!
تخيل أنك تطلع على تصميم جديد وتجد نفسك تقول: “واو، هذا الخط يبدو كأنه يرقص على الورق!” أو “الألوان هنا تجعلني أشعر بأنني في عالم آخر!” هذه اللحظات من الإعجاب والدهشة هي جزء لا يتجزأ من عملية التغذية البصرية.
وأخيرًا، لا تنسى أهمية التفاعل مع المجتمع. التعليق على إبداعات أعمال الأشخاص الآخرين وقراءة التعليقات يمكن أن يعطيك نظرة أعمق ويساعدك على فهم مختلف وجهات النظر.
ما هي مصادر التغذية البصرية؟
أنت تتفق معي أنك صانع محتوى ولست كاتب محتوى، أي أنك يجب أن تكون قادرًا على صناعة أي شكل من أشكال المحتوى المختلفة ولو باستخدام أقل الإمكانيات، أليس كذلك؟
لذا فمن المنطقي أن تقسّم الوقت الذي تقوم فيه بالتغذية البصرية على أنواع المحتوى الرئيسية الثلاثة:
- المحتوى المكتوب، كقراءة:
- الكتب، سواء الخاصة بمجال صناعة المحتوى، أو المجالات الأخرى
- المقالات، وأرشح لك في المدونات الإنجليزية مدونة HubSpot، ومدونة Content Marketing Institute، وفي المدونات العربية مدونتنا بالطبع 😌
- الكتابة الإعلانية – Copywriting، على المنصات الإلكترونية أو على اللافتات الموجودة في الشوارع.
2. المحتوى المرئي، كمشاهدة:
- الفيديوهات
- الأفلام
- مواقع مثل: Pinterest – Shutter stock – National Geographic
3. المحتوى المسموع، كالاستماع إلى:
- البودكاست مثل: رواة – كوبي كاست – CopyCast
- الكتب الصوتية
بالإضافة إلى متابعة محتوى كل من:
- منافسينك.
- الأشخاص المميزين في صناعة المحتوى (في وجهة نظرك).
- أي شخص أو منصة أو حتى تجربة شخصية يمكنها أن تلهمك.
التجربة خير دليل
لذلك فهذا المقال هو نتاج تجربة شخصية، ونتاج لتجارب صناع محتوى آخرين تركت التغذية البصرية أثرها في محتواهم
فمنهم من قال أن أسلوبه في الكتابة تطور بسببها.
ومنهم من وجد سلاسة غريبة وساحرة في حصوله على أفكار محتواه، بعدما كان حصوله على الأفكار عملية شاقة ومرهقة بالنسبة إليه.
والبعض قد أصبح لديه أسلوبه الخاص الذي يمكن تمييزه من بين الجميع من كثرة ما قد شاهد وقلّد حتى يصل إلى التميّز…
وما أثار دهشتي أنا شخصيًا أن أحدهم تعلم كتابة المقالات، وسيناريو البودكاست والبرامج فقط بالمتابعة والتغذية البصرية!
تجارب شيّقة زادت وعيي بأهمية التغذية البصرية أكثر، وأرجو أن تكون فعلت المثل معك أنت أيضًا وأشعلت فيك الحماس لصنع تجربتك الخاصة.
وفي الختام
وبعد أن أدركت:
- أهمية التغذية البصرية
- وما هي في الأصل؟
- وكيف تقوم بها؟
- وما مصادرها؟
أريدك أن تعلم أن التغذية البصرية ليست بالشيء الذي يُفعل قبل البدء في مشروع جديد، أو صناعة قطعة محتوى جديدة، ولكن يجب أن تكون جزء من روتينك اليومي كصانع محتوى، ولو لمدة 10 دقائق يوميًا على الأقل.
أما إذا كنت تواجه مشكلة في تقسيم وقتك، فمقال تنظيم الوقت هذا سيفيدك بالتأكيد، كما أنك ستحتاج أحيانًا إلى القراءة السريعة وهذا سيوفر وقتك بشكل ملحوظ.
المهم أنه في جميع الأحيان يجب ألا تغفل أو تتكاسل عن التغذية البصرية في روتينك، من أجل إبداع دائم ونهر أفكار لا ينضب أبدًا…
والآن أخبرني، أي مصادر التغذية البصرية تفضل؟