تخيل معي تحول أي محتوى مكتوب إلى الفرانكو آراب بدلًا من اللغة العربية، إرشادات الطرق، أسماء الشوارع، لافتات المحال التجارية، كتب التعليم وغيرهم،
هل شعرت بإزعاج لمجرد التخيل أم أن الفكرة أعجبتك؟
هل تخيلت أنك تُمسك برواية لأحد كبار الأدباء، والتي لا تقل صفحاتها عن 200 ورقة مكتوبة بحروف إنجليزية لكنها ليست لغة إنجليزية؟!
تجد جميع الأوراق والمستندات الرسمية مكتوبة بلغة ليس لها قواعد،
حيث يمكن كتابة الحرف الواحد بأكثر من شكل، أعتقد أن عدد الاضطرابات والصراعات سيتضاعف بسبب سوء الفهم في الكتابة.
هذا تخيل هزلي ساخر لكن السطور القادمة تمت للواقع بصلة، هيا بنا نأخذك في رحلة عبر الأزمنة المختلفة،
لترى كيف بدأ الفرانكو آراب؟ ولماذا يتم استخدامه في الوقت الحاضر وكيف ستكون تداعياته على اللغة العربية في المستقبل؟
محتويات المقال
ماهو الفرانكو آراب؟
الفرانكو آراب هو عبارة عن استخدام حروف اللغة الإنجليزية في كتابة مضمون باللغة العربية! نعم كما قرأت، فمثلًا تستخدم حرف (S) لتعبر عن حرف (س) وهكذا،
لكن بما أن اللغة العربية تتميز بوجود حروف ليس لها مقابل في اللغات الآخرى، لجأ مستخدمي الفرانكو إلى حيلة لسد هذه الفراغات،
ألا وهي استخدام الأرقام! فإذا أردت كتابة حرف (ع) استبدله برقم (3)، لذلك فهو بمثابة لغة ليس لها قواعد.
وحتى تستخدم حروف الفرانكو ليس عليك تعلم أي لغة، سواء اللغة العربية أو الإنجليزية،
كل ما عليك هو استخدام كيبورد تحويل اللغة العربية إلى فرانكو المتاح على جميع الأجهزة المحمولة،
فلن تضطر إلى وضع خطط زمنية لإتقانها مثل باقي اللغات، لأنه عبارة عن ظاهرة بدأت قديمًا وأصبح يتناقلها الناس بينهم.
ولم يتوقف استخدام الفرانكو إلى هذا الحد! لكن بدأ ظهور تحديثات من وقت لآخر، من أهمها:
اختصارات السوشيال ميديا في الكتابة
وهي عبارة عن وضع عدد حرفين أو ثلاثة من الحروف الإنجليزية بجانب بعض لتعطينا معنى ضمني آخر،
أتوقع أن تكون رأيت أي اختصار منهم مرة على الأقل، وأخذت في التساؤل عما يعني هذا؟
فعلى سبيل المثال: إذا أردت كتابة (إن شاء الله) أكتفِ بثلاثة أحرف فقط وهم (isa) أو (ما شاء الله) التي تتحول لتصبح (msa) وغيرهم.
فأصبحت الكلمات ثقيلة على أصابعنا نختصرها بهذا الشكل،
فهل ستصبح صعبة على ألسنتنا أيضًا لنكتفي بنطق 3 حروف فقط للتعبير عما نشعر به؟
متى بدأنا في استخدام الفرانكو آراب؟
لنعود إلى بداية الألفينات حيث كان استخدام الفرانكو وسيلة للتواصل على الإنترنت، في ظل غياب اللغة العربية كلغة استخدام رئيسية على المواقع المختلفة مثل MSN،
حيث أن الموقع كان لا يدعم اللغة العربية لمستخدميه، لذلك لجأ المستخدمين العرب إلى خلق لغة خاصة بهم للتواصل.
بالطبع تعتقد إنه حل جيد، وأنا أوافقك الرأي، لكن الحل يتواجد لفك المشكلة،
وبما أن أغلب مواقع التواصل الاجتماعي -إن لم يكن جميعها- أصبحت تدعم اللغة العربية فلما الحاجة إلى التحدث بـ الفرانكو آراب الآن؟
لكن البداية كانت أبعد من ذلك الوقت بعقود، لنعود بالتاريخ سويًا إلى بداية سقوط الأندلس في يد الأسبان،
وانتشار محاكم التفتيش الأوروبية التي كان من أبرز أدوارها هو عقاب من يكتب بالحروف العربية، حيث أجبروا المواطنين على الكتابة باستخدام الحروف اللاتينية.
تماسك المواطنون بأقصى الطرق للحفاظ على هويتهم العربية لكننا الآن نتباهى بفقدانها.
لماذا يتم استخدام الفرانكو آراب حتى الآن؟ هل أصبح عادة أم عقدة خواجة؟!
لم يتوقف استخدام الفرانكو آراب حتى الآن، حيث ظهرت أسباب أخرى تتطلب وجوده – خاصة – بين فئة الشباب والمراهقين.
بالطبع لديك على الأقل صديق واحد يكتب بحروف الفرانكو طوال الوقت، هل جربت سؤاله لماذا لا تلتزم بوضع الحروف بلغتها الصحيحة؟ سوف أجيب لك على هذا السؤال.
دعني أعرفك على صديقي (س) وهو شاب في العشرينات، أكمل دراسته الجامعية ويعمل بإحدى الشركات، يستخدم الفرانكو في الكتابة على جميع وسائل التواصل الاجتماعي،
حيث أنه اعتاد على استخدام حروف اللغة الإنجليزية أكثر بسبب طبيعة دراسته باللغات الأجنبية منذ الصغر، حيث يجد راحة أكثر في التعبير عن نفسه بهذا الشكل.
أما صديقي (ص) الذي أكمل عامه السابع عشر مؤخرًا، يخبرنا أن اللغة العربية بالمدرسة كانت أصعب المواد، وكانت تزداد صعوبة باختلاف المراحل الدراسية،
لذلك هو لا يعرف أبسط القواعد اللغوية لتكوين عبارة بسيطة، فاتخذ من حروف الفرانكو ملجأ له.
هيا لأعرفك بصديقة أخرى، وهي (ع) فتاة جامعية نشيطة واجتماعية، تكتب أغلب منشوراتها بحروف الفرانكو حتى تستطيع مجاراة أصدقائها،
حيث تنهال عليها النكات بسبب كتابتها باللغة العربية رغم أنها لا تجد أي صعوبة في استخدامها، لكنها فقط تتجنب تعليقات البعض.
لذلك يتواجد متحدثي الفرانكو آراب بكثرة وسط كل الفئات، لأسباب مختلفة تقودنا إلى سؤال مهم:
هل اللغة العربية أصبحت غير مناسبة لعصرنا الحالي؟
هل اللغة العربية لا تتماشى مع متطلبات العصر؟
لنتطرق إلى الموضوع من البداية، أنت مصري عربي، لغتك الأم هي اللغة العربية، تحمل بين طياتك هوية عربية متأصلة، لذلك من الطبيعي جدًا إنك تتحدث اللغة العربية وتكتب بها،
لذلك فإن اللغة ليست قاصرة على زمن بعينه، اللغة جزء منك، أهم جزء تُعبر به عن نفسك، فهل يمكنك التعبير عن نفسك بحروف وأرقام غربية؟
بالطبع لن تقوم بالتواصل مع أصدقائك عبر الشاشات عن طريقة اللغة العربية الفصحى،
لكن البديل عنها هي العامية، كما تتحدث مع الأشخاص حولك بالعامية يمكنك الكتابة أيضًا بها وهي أقلل الحلول ضررًا،
لكن بافتراض أن الفرانكو أصبح هو السائد في الواقع، كيف سيكون مصير كاتب المحتوى؟
ما هو مستقبل كاتب المحتوى باللغة العربية؟
دعنا نلقي نظرة تخيلية عن مستقبل كاتب المحتوى إذا أصبحت اللغة الرئيسية المستخدمة هي الفرانكو،
5 مشاكل سيتعرض لها كاتب المحتوى إذا استخدم الفرانكو آراب
- لن يستطيع التعبير عن أفكاره بالشكل المطلوب.
- لن يقدر على استخدام معانٍ أعمق للكلمات.
- سوف ينسى الأدب والشعر.
- سيستخدم اختصارات لكلماته بدلًا من السرد الممتع.
- ستفقد الكلمة تأثيرها وقوتها.
أعتقد ستتلاشى المهنة بالتدريج أو ستعتمد بشكل أساسي على منشورات السوشيال ميديا فقط.
«إن الذي ملأ اللغات محاسن.. جعل الجمال وسره في الضاد»
– أحمد شوقي
الكتابة باللغة العربية لها رونق خاص، يشعر به من يتخلل داخل الحروف ليصنع منها معانٍ مختلفة، بإمكانك أن تُعبر عن شعور واحد بمختلف التعبيرات.
لذلك صديقي كاتب المحتوى لا تتخل عن لغتك الأم، اعتز بها، تحدث بها، علمها لأصدقائك ولا تخجل من استخدامها،
فأنت تحمل على عاتقك مسؤولية عظيمة ألا وهي تشكيل الحروف، لتصبح ذات معنى يصل لتغذية العقول.
وبالحديث عن اللغة العربية، فإن وقت نشر هذا المقال يتزامن مع اليوم العالمي للغة العربية، والذي يوافق 18 من ديسمبر،
اليوم الذي نقف جميعًا نشكر حروف اللغة العربية التي تساعدنا في التعبير، فإنها تتسع للحديث عن جميع خواطرك في جمل بسيطة بمعانٍ ضمنية كبيرة.
لقد وصلنا إلى النهاية معًا بعد ما تخيلنا أحداث وشاهدنا أحداث أخرى،
لكن يظل الواقع أن الفرانكو آراب يزال متواجد، لكن البداية تكمن في تغير وجهة نظرك تجاه اللغة العربية حتى تبدأ في تغيير العالم من حولك.
أشكرك على وصولك إلى هذه النقطة، ودعني أتركك مع تخيل جديد، وهو ماذا لو أصبحت اللغة العربية هي اللغة السائدة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
هل سنرى المراهقين والشباب بوجهة نظر أخرى تجاه اللغة؟
هل ستكون مراحل التعليم المختلفة سبب رئيسي في تأصل اللغة بداخلنا منذ الصغر؟
اطلق العنان لمخيلتك قليلًا وأخبرنا رأيك في التعليقات.
التعليقات: 3 On ماذا لو: أصبح الفرانكو آراب اللغة الرسمية للدولة؟
مقال مكتوب باحترافيه وممتع للقراءه وعرفني معلومات ماكنتش اعرفها 🥰
مقال رائع وممتاز.
Your point of view caught my eye and was very interesting. Thanks. I have a question for you.