محتويات المقال
هل تؤمن بالكارما؟
يراها البعض قانونًا طبيعيًا يرسم مسار حياتك، وآخرون يرون أنها فلسفة أخلاقية توجه سلوكك..
ويرى نيوتن في قانونه الثالث أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه..
المشترك بين كل الآراء هو أن كل ساقٍ سيسقى بما سقى، وأن كل فعل يخلف رد فعل متناسقة..
وهو ما تلاحظه في رحلتك باعتبارك صانع محتوى يتطور من مبتدئ (Junior) إلى محترف (Senior)
رحلة لا تختلف أبدًا عن رحلتك الإنسانية..
أنت في مرحلة المبتدئ تشبه الطفل المنبهر بكل ما يراه..
منبهر بضوء الشمس وزرقة البحر وكل ما يألفه البالغين من حوله..
متعطش للعلم والفرص، كل ما حولك هو خبرة جديدة، وأنت تعمل من أجل الخبرة لا المال بالطبع هذا شعارك في تلك المرحلة “I work to learn not to earn” والذي تحبك من أجله الشركات وخصوصًا الناشئة منها “StartUps”
مبدأ يجعلك تختار الراتب القليل -على اعتبار انك تملك حرية الاختيار- وتقوم بمهام ربما ليست ذات صلة وثيقة بمسماك الوظيفي لكن لا يهم طالما تجني الخبرات، لا تعلم أيها ستحتاجه لاحقًا!
خطتك واضحة واستثمارك طويل الأمد، مبني في الأساس على اعتقادك أنه بمرور الوقت سيتطور مستواك وتزداد سنين خبرتك (والشركات تقطع نفسها عليك!) لتتقاضى راتبًا أعلى نظير مجهود أقل.
لذا تعتبر كل المجهودات التي تبذلها في مرحلة البدايات موازية للادخار في الحصّالة عندما كنت طفلًا، لكن هذه المرة تدخر في حصّالة «الكارير» التي لا يمكنك كسرها، حيث تودع فيها الخبرات المتراكمة.
والعجيب أنه يمكن أن تضيع مدخراتك بداخلها حتى بدون أن تفتحها، وذلك إذا توقفت عن الادخار أو أودعت خبرات سلبية وسُمعة غير طيبة!
لكن يوجد شرطًا أساسيًا لتتم عملية الادخار تلك، لتتمكن بعد أعوام من كسر الحصّالة والاستمتاع بغنائمها..
وهو وجود موجه أو “سينيور” شخص يسبقك بخبرته…
ووجوده معك من أهم العوامل التي ستجعل من سنوات عملك سنوات خبرة وليست مجرد سنوات خادعة مضافة لسيرتك المهنية.. لا تؤهلك للقبول في أي من الوظائف التي تحتمل كل ما يمر في “مرحلة الجونيور” تلك لأجل عيونها!
دور السينيور في حياتك المهنية
دور السينيور في الأساس هو تقويم خطواتك، وتطويرها.. يساعدك على بذل المجهود في محله وجعل خطواتك للأمام لا في محلها، يساعدك لتخطو بثبات لتصل وجهتك بنجاح.
قد لا يحالفك الحظ للعثور على هذا السينيور المنشود من أول وظيفة تٌقبل بها، وقد تحاول أن تجد بدائلًا له لأن السينور (ناقص في السوق!)
لكن في حال كان الحظ حليفك ستجد وظيفة يرافقك بها سينيور ليتابع عملك ويوجهك..
يعطيك من خبراته، يتابع خطواتك ويقدم لك النصح والتوجيه من عصارة تجاربه الشخصية والمهنية، فتعمل وتتعلم ويبدأ أخيرًا إدخارك في حصالة مهارتك!
علاقة السينيور والجونيور من أغرب العلاقات..
فجأة وبدون سابق إنذار تجدها تتخطى علاقة العمل أو الزمالة وتصبح علاقة أب بابنه المراهق العنيد!
قد يرى الجونيور في السينيور أبًا روحيا له، لكنه يأبى أن يعيش في جلبابه!
لديه شخصيته المستقلة وأفكاره الخلاقة التي يصر في كل مرة هذا السينيور على إحباطها بحجة عدم تلاقيها مع البريف أو عدم ملاءمتها لسياسات الدولة!
بينما يرى الجونيور في أفكاره ما يراه كافكا في ميلينا فيخاطبها قائلًا:
“لو أَحبَكِ مليون فأنا منهم، وإذا أَحبَكِ واحد فهذا أنا، وإذا لم يحبك أحد فاعلمي حينها أنّي مت”
لكن فيما دون الأفكار تلك فهو يستشيره في كل صغيرة وكبيرة
يرى فيه إجابة كل سؤال ودليل كل حيرة..
يرى أنه لا يمكن أن يكون إنسانًا هو بالتأكيد بني آدم!
على الجانب الآخر السينيورز أنواع!
نوع مكتفٍ بضغط العمل وكثرة المهام الملقاة على عاتقه، ولا يملك من الطاقة والحماس ما يتماشى مع نظرات وتطلعات الجونيور وآماله فيه!
ونوع آخر يوافق تمامًا توقعات الجونيور ويتفهم تقلباته النفسية والمهنية وطبيعة المرحلة التي يمر بها، أو هو في الحقيقة يرى في الجونيور صورة مصغرة لنفسه قبل بضعة سنوات. يحاول أن يقدم لها المساعدة التي قُدمت له أو المساعدة التي كان يتمنى لو وجدها.
ماذا تفعل عندما تقابل نسخة قديمة منك متجسدة في شخص آخر؟
هنا يدعم السينيور محاولات المبتدئ، يتعاطف مع حماسه للتطور، يتلطف بمن في بداية مشوار يدرك من أتمه مدى صعوبته، يفتخر لكل تقدم يحققه الجونيور ويرى فيه ثمرة توجيهه!
وعلى صعيد آخر يكظم غيظه في كل مرة يلاحظ تكرار اندفاعاته وتصرفاته غير المحسوبة على يد الجونيور ، والتي سبق أن أتى السينيور بها منذ سنوات في بداياته.
يحاول السينيور أن يلفت نظر الجونيور لأخطاء سبق واقترفها، لحقوقه وواجباته، لأهمية ترك أثرًا إيجابيًا والحفاظ على صفحته نظيفة على المستوى الشخصي قبل المهني، يشير إليه ناحية الحفر التي سبق أن اختبرها بنفسه ليوفر عليه عناء السقوط.. لكن في أغلب الأحيان يصر الجونيور على التجربة بنفسه، ولا حياة لمن تنادي…
“الحياة لا تعطي free courses” وبعض الدروس لا نتعلمها نظريًا لابد من تجربة.
التاريخ يعيد نفسه، وكل تصرف فعلته قبل سنوات تشاهده الآن في الـ Var على يد هذا الجونيور الذي أتت به الشركة إليك لتوفر بعض الأموال وتستثمر في كوادر شابة..
المراقبة والتوجيه على المستوى التقني لا غنى عنه في تلك المرحلة، وتأكد أن المبتدئ يضع عليك الكثير من التوقعات لتوجيهه والتعديل على إنتاجه.
لا تبخل عليه بأي معلومة أو تقييم، احرص على إبراز إيجابياته ومميزات عمله لا تسليط الضوء فقط على الأخطاء.
البدايات هي الأصعب فلا تزيدها صعوبة، وتذكر أن المبتدئ يراك بصورة الخبير الذي يسعى للوصول لمستواه في يوم ما ولكن على طريقته الخاصة.
سلسال لا ينتهي وهذه هي دورة حياة صانع المحتوى.. وإذا قادك نصيبك ذات يوم لتكون السينيور المسؤول عن متدربين جدد أو مبتدئين منضمين حديثًا للفريق، اعتبرها فرصة ثانية لتكفر عن ذنوبك التي اقترفتها في حق مديرك أو السنيور الذي كان يتابعك في بداية عملك.
واحرص على ألا تكون نسخة ممن صعّب عليك الوصول قديمًا، وأن يتذكرك الجميع بالخير لا أن يتذكرك وهو يطلب من الله أن يتكفل بك.
أرى أن أعظم إنجاز يمكن أن تحققه في هذا الدور هو أن يتذكرك المبتدئ الذي ساعدته على التقدم بعد أعوام بالخير لا أن تنتهي علاقته بك بانتهاء العمل بينكما.
تمر على باله نصائحك يدعو لك بالخير ويتواصل معك ليطمئن عليك ويتمنى لك أن يكون الله في عونك كما عاونته.
الإشراف ليس فقط على تسليم المهام ومتابعتها، الجانب الشخصي والنصائح من أهم الأدوار التي يفتقدها المبتدئين.
الدورات التعليمية والاهتمام بالتطور التقني متاح بالعديد من الطرق أما التطور الشخصي والمهني هو الأصعب، وهو التحدي الذي اتمنى لك أن تراقب الله فيه.
وعزيزي الجونيور.. الحماس والطاقة المجتمعين لديك رائعين! احرص على استغلالهم في المواضع الصحيحة،
تقبل الانتقادات وافتح صدرك لها…
الخبرات تتكون من الأخطاء، لذا لا تخشى من التجربة أيًا كانت نتيجتها،
راقب خطواتك ولا تغلق أذنيك أبدًا، اسمع ناقش وفكر،
وقدر خبرات ذوي الخبرة وافتح عقلك لكل ما هو مختلف.
أنت في مرحلة بناء، احرص على البناء بأساسات سليمة ليكون بناءك متكاملًا صالحًا للنمو لا آيلا للسقوط!
تظل علاقة الجونيور بالسينيور من العلاقات التي حيرت العلماء..
شاركنا في التعليقات عن قصتك في رواية الجونيور والسينيور؟